“ومضت أسابيع وأنا .. لا أنام، وكانت هناك أسبَّاب كثيرة تحرمني من النُّوم..كأن هناك جانب من حيَّاتي، من شخصيَّتي، يعذبني، ويأكل في صدري وأعصابي، ويشرب روحي، ويتركني جافة صلبة كالحجر .. الحجر الجميل” بهذه الكلمات المبدعة وصف الكاتب إحسان عبد القدوس الأرق على لسان ” نادية” بطلة رواية ” لا أنام”.
أرق نادية كان صرخات من ضميرها لتتوقَّف عن أفعالها وخططها القاسية، لكنكِ لستِ نادية، ولا تشعُرين بذنب يستحق أن تتنازلي له عن ساعات النوم الهامَّة، لماذا إذن ما زلت مستيقظة والساعة تقترب من الواحدة صباحاً؟ لماذا تتقلَّبين ليلاً على الوسادة في انتظارٍ وترقُّبٍ لإحساس النّعاس الغائب.
يُعد الأرق من أكثر اضطرابات النوم شيوعًا وهذه هي أهم أسبابه
التوتر والقلق
عندما تختبرك الحياة بضُغوطِها ومسؤُولياتِها، قد تستلمين للتَّفكير السّلبي وتجدين نفسكِ أسيرة للإجهاد الفكري، القليل من التَّوتر قد يحفزنا للإنجاز لكن الكثير منه يؤثر على صحَّتنا الجسديَّة والنَّفسيَّة،فهو يُبقي عقلكِ شاردًا و ناشطاً في وقتٍ أنتِ في أمس الحاجة فيه للرَّاحة لإعادة شحن طاقتِك.
يقول الأستاذ الجامعي في كلية الطُّب في جامعة هارفرد، لورانس إبشتاين” رغم أنّنا لا نمتلكُ زرًا يمُكُّنَّنا به إيقاف تدفق أفكارنا، إلا أنّنا نستطيع أن نخلق مؤثرات مناسبة تساعدنا على النوم بشكل جيد” وأكد أن أكبر حافز للنُّوم هو أن تكونَّي مُتسقةً مع ساعة نومك أي الاستيقاظ و الذهاب إلى النُّوم في نفس الوقت.
تعتبر تمارين الاسترخاء طريقة أخرى للتَّخلُّص من القلق ليلاً، وفقاً للمؤسَّسة الوطنية الأمريكية للنوم (NSF) ما عليكِ إلّا أن تغمضي عينيكِ وتتأملي إيقاع تنفسكِ، أشعري بالهواء وهو يتدفق برقَّة من الأنف مارًّا بالفم ثم الحلق ثم بطنك،ليطلق زفيرًا حاملاً معه كل التوتر والقلق، تخيلي رحلته الهادئة من الجبين مروراً بالعنق والكتفين والذِّراعين، وإذا حاول عقلك الشرود بعيدًا، لا تستمعي له، عودي إلى تمرينك وكرِّريه.
تناول أطعمة ومشروبات تسبب الأرق
تنصح الطَّبيبة وخبيرة التَّغذية ” دونييل ويلسون ” بتجنُّب تناول الأطعمة الغنيَّة بالكربوهيدرات والسَّكريات والدهون قبل الذهاب إلى النوم لأنها تؤدي إلى اضطراب معدلات السكر في الدم والذي ينتج عنه الاستيقاظ المتكرر خلال الليل.كذلك يُفضل الابتعاد عن الأطعمة الغنيَّة بالتَّوابل الحارَّة والتي تسبب حرقة المعدة وعسر الهضم، أمرُ أنتِ في غنى عنه تماماً إذا كنتِ تبحثين عن نوم هادئ ومريح.
لا تستسلمي أيضاً لإغراءات القهوة و مشروبات الطَّاقة مساءً فكما تعلمين، الكافيين والنوم لا يلتقيان، فهو يُبقيكِ نشطة من8إلى 10 ساعات بعد تناوله.لهذا تُوصي الأكاديميّة الأمريكيَّة لطب النوم “AASM” بالامتناع عن تناول الكافيين على الأقل ثماني ساعات قبل النوم.الاعتدال هو المفتاح دائماً لحياة أفضل، إذا وجدتِ نفسك جائعة قبل موعد النوم، تناولي وجبّة ًخفيفةً تحتوي على الكالسيوم وفيتامين B6 مثل الموزوالزبادي والجبن و بالتأكيد صديق النوم الأوَّل الْحلِيب الدافئ
استخدام الإلكترونيات
أصبحت الإلكتُرونيَّات ضرورةً لا يمكَّنَّنا تخيّل حياتنا بدونها، لكن تأثيرها السّلبي على نومك أكبر بكثيرٍ مما تعتقدين، فالضوء الأزرق المُنبعث من شاشات الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والتِّلفاز يؤثر على إنتاج هرمون “الميلاتونين” في الجسم ، الهرمون المسؤول عن التَّحكُّم في دورة النوم وضبط الساعة البيولوجيَّة. إذا أردتِ نوماً عميقاً ، اجعلي غرفتك خاليةً من الإلكتُرونيَّات على الأقل ساعةً قبل النوم
الأمراض العضوية والنفسية
قد تحدث اِضطرابات النوم نتيجة لبعض الأمراض العضويَّة والنفسيَّة مثل :
أمراض القلَّب والصدر :أكدت الجمعية الأمريكية لأمراض القلب أن 44٪ من مرضى القلب يُعانون من الأرق، والنوم المتقطِّع نتيجة استيقاظ المريض ليلا لالتقاط أنفاسه بسبب عدم قدرة القلب على ضخ الدم بصورة جيدة أو تجمع السوائل في الرئتين.
الأمراض النفسية :الاكتئاب والأرق متطفِّلان يتغذَّى كلُّ منهما على الآخر، فالأرق يُعد أول أعراض الاكتئاب و كذلك أحد مُسبِّباته، إذا اقترن الأرق بشعور اليأس وعدم القدرة على ممارسة الهوايات، عليكِ استشارة الطبيب.
الأمراض العارضة: والتي قد يصاحبها آلام تحول دون استمتاعك بساعات نوم كافية مثل آلام الأسنان والإنفلونزا و التهابات الحلق والأذن وأمراض الجهاز الهضمي.
بالإضافة إلى هذه الأمراض، هناك بعض الأدوية التي قد تُسبب الأرق مثل بعض أدوية الاكتئاب وأدوية أمراض القلب وضغط الدم، وفي هذه الحالة يمكنك استشارة طبيبك ، فإذا ظهر الأرق مع بداية مُواظبتك على دواء ما، قد يصف الطبيب لكِ دواءً بديلاً.
عوامل أخرى
هناك عوامل أخرى قد تؤثر على نومك مثل التدخين وارتداء ملابس نوم غير مُريحة و الضَّوضاء والإضاءة العالية وارتفاع درجة حرارة الغرفة عن 23 درجة مئوية أو انخفاضها عن 18درجة مئوية ، وكذلك السفر و تغير مكان النوم.
بعد معرفة الأسباب ابدئي فورًا في التخلص من هذا الزائر المزعج، مارسي الرياضة وتمارين الاسترخاء، استمعي إلى الموسيقى، نظمي ساعات نومك، تناولي الطعام الصحي ولا تطرقي أبداً أبواب القلق والتوتر .