لقد أصبح التمييز بين الغرور والثقة بالنفس أمراً صعباً هذه الأيام، خاصة وأننا نعيش حالياً في مجتمع يملئه المشاهير وهوس عرض الحياة الشخصية على المواقع الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، اعترفت كيم كارداشيان-وست بكل سهولة بأنها لا تتمتع بأي موهبة خاصة. وقالت بغرور في حلقة من مسلسل Keeping Up with the Kardashians عام 2010 :’’الآن هو أكثر وقت في حياتي يمكنني أن أكون أنانية بنسبة 100%‘‘. وأكملت: ’’أنا لست متزوجة وليس لدي أي أطفال ويمكنني التركيز على النجاح في عملي‘‘. وهذا الرأي يعبر عنه الكثيرون حالياً. ففي الأخير نحن أبناء جيل Me Generation أو الجيل الذي ولد ما بين عامي 1946 و1964 وهو الجيل الذي كان يتصف بحب النفس وصفات النرجسية، وبالتالي يجعلنا هذا جيلاً أكثر اهتاماً بالنفس وحباً للذات.
ويبدو أن هذا هو المنظور السائد لدى المرأة العصرية. فهي تحب دائماً أن تدعي بأنها الأفضل في كل شيء بنسبة أكثر من الجيل الماضي. حيث تقوم بقياس شهرتها وأهميتها بالنسبة للمجتمع على أساس عدد المعجبين الذي حققته على موقع انستقرام. فهي دائمة التفاعل ولكن فقط من خلال الهاتف الجوال أو شاشات الكمبيوتر، وقد تربت على مشاهدة برامج تلفزيون الواقع وهي برامج قائمة على حلقات وثائقية عن الأشخاص النرجسيون. فبالرغم من أننا نبدو هادئين وملمين بزمام الامور، إلا أننا نشعر بداخلنا بقلق عميق. وفقاً لدراسات Deloitte، نقوم بتفقد هواتفنا 46 مرة في اليوم، كما يعاني العديد منا بمتلازمة الشعور باهتزاز وهمي للهاتف.
هل أصبح هوسنا بمواقع التواصل الاجتماعي حاجة ملحة تنتظر الإشباع، وهل شجعت الطبيعة المتغيرة لسوق العمل على وجود نزعة أنانية بيننا؟ قام الفيلسوف ويليام جايمز في عام 1980 بتحديد احترام الذات كحاجة أساسية للإنسان لا تقل في أهميتها لعيش حياة سوية عن باقي المشاعر الأخرى كالغضب والخوف. ولكن مع زيادة طموحاتنا ومتطلباتنا وانشغالنا بأنفسنا، أصبحنا وبدون أن نشعر نتبع أنماط سلوكية معينة ترتبط وبقوة بالنرجسية.
ويوضح أستاذ جامعة جيورجيا دبليو كيث كامبل والذي كتب ثلاثة كتب عن ازدياد النرجسية في الأجيال: ’’عندما نتحدث عن النرجسية، علينا أن ندرك بأننا نتحدث عن شيء له علاقة بعلم النفس والذي نطلق عليه مصطلح ‘النرجسية المبالغة’. فلقد أصبح هذا الإضطراب النفسي الذي نعرّفه بحب النفس والإحساس بالأهمية بطريقة مبالغ بها، شعاراً أو شيئاً معترفاً به على مر السنين. تماماً كما هو الحال عندما يصف بعض الأشخاص أنفسهم بإصابتهم بالوسواس القهري فقط لأنهم يحبون النظام ويدققون في التفاصيل.
ومن الواضح أن مصطلح النرجسية أصبح يُطلق على الأشخاص الذين لا نحبهم. فيتم استخدامه لوصف الرجال السيئين وتبرير التغريدات المغرورة التي ينشرونها على موقع تويتر. مثل المغني جاستين بيبر والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبالطبع يستمتع الأخير بالتفاخر بثرواته بداية من مجموعة منتجعات الجولف الفاخرة التي يمتلكها إلى أعداد الأصوات المرتفعة التي حظى بها. كما يعتبر هذا المصطلح بمثابة كلمة رائجة تطلق على مشاهير انستقرام المشغولين دائماً بالجمال والذكاء والقوة غير المحدودة، فقد أصبح مصطلح النرجسية الآن بلا معنى. ويضيف دكتور كامبل: ’’إن الأشخاص النرجسيون منفتحين للغاية ودائمي البحث عن الانتباه‘‘. ’’ولديهم نظرة إيجابية مبالغ بها عن أنفسهم‘‘. كما يؤكد على أنه ليس هناك تشابهاً كبيراً بين الثقة بالنفس والنرجسية كما يزعم البعض. فيوضح: ’’التشابه في الحقيقة بسيطاً للغاية‘‘ بل إن الشيئين مختلفين تماماً عن بعضهما. فاحترام الذات والإصرار يعززان صحة الانسان النفسية إلى حد كبير، بينما النرجسية فهي هوس غير صحي يؤدي في النهاية إلى التعاسة والاكتئاب. ويضيف الدكتور كامبل: ’’يكمن الفرق الأساسي في القسوة بين الأشخاص. حيث يميل النرجسيون إلى الاعتقاد بأنهم أفضل من الأشخاص الآخرين وبأنهم أذكى وأكثر أهمية وينظرون إلى باقي الناس من حولهم وكأنهم دون المستوى.
كما أنهم لديهم رغبة قليلة أو ليس لديهم رغبة على الإطلاق في تكوين علاقات عميقة مبنية على أسس سليمة، بل هم في بحث دائم عن لفت الأنظار وإعجاب الآخرين. ولكنهم في الوقت نفسه مفرطون الحساسية ويتصرفون بغضب شديد عندما يتحداهم أحد أو يتم تجاهلهم. ويناقش الدكتور كامبل:’’أما الأشخاص الذين يتمتعون بثقة عالية في النفس مختلفين بعض الشيء، فقد يعتقدون بأنهم أكثر جاذبية من الآخرين على سبيل المثال، ولكنهم يحاولون أن يكونوا أشخاص أفضل في الحدود المقبولة اجتماعياً. فهم يركزون أكثر على الناحية الأخلاقية‘‘. وعلى الرغم من رغبة عدد قليل من النساء بعدم التعاطف مع الأشخاص المحيطين، فبالفعل قد أصبح الاهتمام بمشاعر الآخرين ووضعهم كأولوية في حياتنا تحدياً في حد ذاته ومن الصعب تحقيقه ونحن نعيش في مجتمع كل ما يهمه هو الانجازات السطحية غير المفيدة.
فنحن على إطلاع دائم بصور السيلفي والشفاه الممتلئة، التي تنشرها الشهيرات والعديد من الشخصيات المؤثرة مثل جيجي حديد وكندال جينر وريهانا. وبذكر هذا الموضوع تأتي على رأس القائمة ملكة إلتقاط صور السيلفي كيم كارداشيان-ويست والتي قامت بنشر كتاب بعنوان Selfish يضم مجموعة متنوعة من صور السيلفي الخاصة بها. وقد تساهم مواقع التواصل الاجتماعي المليئة بصور محبي أداء التمارين في الصالات الرياضية وأخرى لرحلات السفر الفاخرة والمترفة، في رفع نسبة توقعاتنا غير الواقعية وخلق إحساس بالضعف وعدم القدرة على المواكبة وبالتالي عدم الثقة بالنفس.
ويخبر الدكتور كامبل MOJEH: ’’يحصل الأشخاص النرجسيون على احترامهم لذاتهم وثقتهم بأنفسهم عن طريق محاولاتهم أن يكونوا أفضل من غيرهم‘‘. مما يعني أنهم من الممكن أن يقوموا باستغلال مخاوف الأشخاص الآخرين في محاولة للتفوق عليهم ولن يكون هناك شيئاً أسهل من ذلك بالنسبة لهم. وقد كشفت الدراسات أن متوسط جيل الألفية يشعرون بالقلق لمدة أربع ساعات يومياً، بينما يستيقظ 71% منهم في منتصف الليل للتفكير في الضغوطات الحالية والمحيطة بهم لما يقرب من ثلاث مرات في الأسبوع. ومع زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق، بفضل هؤلاء الذين مزقوا حياتهم بالعزلة والاهتمام بعرض كل تفاصيل حياتهم للعالم، أصبح من السهل للنرجسيون اصطياد ضحاياهم سواء في الواقع أو عن طريق الانترنت.
ويضيف دكتور كامبل:’’يستغل النرجسيون الناس في أغلب الأوقات ليحصلوا على مظهر وشعور جيدين‘‘. ’’وهذا هو سبب قيام هؤلاء المشاهير بتمضية الوقت مع جميع أصدقائهم – أو ما يسمى بالحاشية. فهم يحاولون دائماً أن يجمعوا الأشخاص حولهم والذين سيحبون تمضية الوقت معهم ويمدحونهم طوال الوقت‘‘. وبمناسبة الحديث عن فكرة الحاشية لا أستطيع إلا أن أذكر تلك الخاصة بالمغنية الشهيرة تايلور سويفت والتي كانت سبباً في شهرة الهاشتاج SQUAD# والذي ضم العديد من أسامي عارضات أزياء Victoria’s Secret وممثلات رفيعات المستوى مثل كارلي كلوس وكارا ديليفين وجيجي حديد وسيلينا غوميز. وبعد كل ما ذكرناه لا عجب إذاً أن ثقتنا بأنفسنا واحترامنا لذاتنا في إنخفاض دائم مع مرور الوقت نتيجة لسعينا المستمر في الحصول على الجسم المثالي أو سيرة ذاتية ليس لها مثيل أو مواعدة الشخص المثالي. وأراحنا الدكتور كامبل بقوله: ’’ما أتحدث عنه هنا هو مجرد صفة‘‘. وأضاف:’’نحن جميعاً لدينا صفة النرجسية بطريقة أو بأخرى، ومعظم الأشخاص لديهم هذه الصفة باعتدال، بينما هناك آخرون تكون مرتفعة جداً عندهم والبعض الآخر قليلة جداً‘‘. ويقول:’’ومع ذلك فهناك علاقة وطيدة بين السوشال ميديا وبين النرجسية‘‘. حيث تشير الدلائل إلى أن الأشخاص الذين يحبون أنفسهم يقضون أوقاتاً أكثر من غيرهم في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ويميلون إلى نشر تفاصيل حياتهم أكثر من غيرهم وخاصة الأشياء المستفزة للأشخاص الآخرين.
ويوضح الدكتور كامبل:’’لقد اكتشفت أن الأشخاص النرجسيون يقومون باستخدام السوشال ميديا للترويج لأنفسهم‘‘. ولكنه في نفس الوقت رفض فكرة أن السوشال ميديا تقوم بتحويل كل المستخدمين إلى نرجسيين. ولكن بدلاً من ذلك أوضح على أنها فقط تجذبهم. ويقول:’’ إن السوشال ميديا لا تقوم بتحويل كل المستخدمين إلى نرجسيين بمجرد استخدامها فإذا كان الأمر كذلك ،كنت قد توقعته منذ 10 سنوات ماضية‘‘. فلماذا إذن صرحت المعاهد الوطنية للصحة، بأن الأشخاص في العشرينات من العمر لديهم نزعة الإصابة باضطراب الشخصية النرجسية بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بين الأشخاص في الستينات من عمرهم أو أكثر؟
يمكننا أن ننسب هذه الدراسات والاكتشافات إلى المحاولات التي لا تنتهي من قبل جيل الألفية للترويج الذاتي والتباهي، في حين أن هناك ثقافة أكبر من ذلك تركز أكثر على أهمية احترام الذات. نحن أيضاً حالمون. حالمون شهدنا انتخاب اول رئيس أفريقي- أمريكي. رجل كان شعاره ملخص في كلمة واحدة محورية وهي : الأمل. نحن حالمون شهدنا اعتلاء عدد كبير من السيدات- لم يشهده أحد من قبل- مناصب هامة في صناعات يهيمن عليها الرجال ( حيث تشغل السيدات الإمارتيات الآن 66% من وظائف القطاع العام و30% من الوظائف المختصة بصنع القرار داخل حكومة الإمارات). فبدلاً من أن نسقط أنفسنا في هاوية الأنانية، ربما تكون المرأة العصرية هي الأمل والوسيلة التي ستقودنا إلى ثورة نكسر بها أفكار الأجيال الماضية في شعورها الدائم بالقمع والتقيد.
وقد قامت مؤخراً ما يزيد عن مليون امرأة باقتحام الشوارع في العديد من العواصم لتأييد حملتي Women’s March وMeToo# وTime’s Up اعتراضاً على التحرش والفجوة في الأجور بين الجنسين. لذا علينا أن نأخذ بعين الاعتبار احتمالية أن نساء جيل الألفية قد أصبحن أكثر ثقة في قدراتهن وأكثر وعياً لقيمتهن الذاتية عن كونهن نرجسيات الشخصية، وذلك بفضل وجودهن في عالم مستمر في الاتساع ممتلىء بالعديد من الفرص.
فهل من الممكن أن تكون ثقتنا بأنفسنا يتم فهمها عن طريق الخطأ بأنها نرجسية؟ أعتقد ذلك. وأعيش بأمل أننا سنبهر الجميع بأن نصبح أعظم جيل متفائل في التاريخ.