ثورة في عالم المجوهرات بالشرق الأوسط

28 ثانية قراءة
جلالة الملكة رانيا العبدلله

قفزاتٌ سريعة من الازدهار في منطقة الشرق الأوسط دفعت بالنساء إلى أعلى مراتب الخبرة في عالم المجوهرات الثمينة. لهذا قررت “موجيه” الاحتفاء بهذا الأمر إضافةً إلى ما تبعه من تحول ملحوظ في الذوق العام للسيدات فيما يتعلق بالمجوهرات.

لطالما كانت السيدات في الشرق الأوسط من أكثر النساء تقديراً وحماساً للمجوهرات الماسية الثمينة والساعات القيمة والنادرة. ووفقاً لشركة “يورو مونيتور” الدولية لأبحاث السوق، فإن قيمة مبيعات الساعات الراقية التي تقتنيها السيدات في المنطقة تزداد بنسبة 9% كل عام، علماً بأن الغالبية العظمى من المبيعات هي في دولة الإمارات العربية المتحدة. ولا غرابة في الأمر، فقد عُرف عن العديد من السيدات رفيعات الجمال والمستوى في المنطقة العربية التزين بإبداعات كبار مصممي المجوهرات والساعات في العالم، وعلى رأسهنّ جلالة الملكة “رانيا” ملكة الأردن، والتي تشتهر بارتداء تيجان باهرة الجمال تتلألأ كالنجوم تحت الأضواء؛ ويعتبر التاج المذهل الذي صممته لها دار “بوشرون” عام 2008 هو المفضّل لديها بحسب المقربين إليها. فقد ارتدته لأول مرة خلال زيارة جلالتها لدولة بروناي، ثم مرة ثانية بعد عامين في حفل زفاف الأميرة “فيكتوريا”، أميرة السويد، وأخيراً في احتفالات الذكرى السنوية العاشرة لتتويج زوجها جلالة الملك عبدالله بن الحسين.

جلالة الملكة رانيا العبدلله

في صباح صيفٍ قائظ في مدينة دبي كان منتجع الـ “فور سيزونز” الفخم بمركز دبي المالي العالمي بمثابة واحة للهروب من رطوبة الجو الخانقة وسخونة الشمس الحارقة. وبينما أنا جالسة في مقهى الفندق الفخم ذي المقاعد المريحة المحاطة بالديكورات الرئعة المطلية بالذهب، وقد طلبت لنفسي فنجاناً من الكابوتشينو، دخل “ديفيد بينيت”، رئيس قسم المجوهرات بشركة “سوزبيز” العالمية للمزادات، وعلى وجهه ابتسامة عريضة ترافقة “دانييلا ماسيتي”، الأخصائية الدولية للمجوهرات بالشركة، وقد ارتدت سلسلة سميكة ورائعة من اللؤلؤ.

“على مدار ما يقرب من 50 عاماً تغيرت طبيعة شراء المجوهرات في الشرق الأوسط”، هكذا بدأ “بينيت” الخبير الدولي في مجال الأحجار الكريمة حديثه معي، وهو يُعد شخصية بارزة في عالم المزادات حيث قام بإدارة عملية بيع العديد من أحجار الماس الاستثنائية، بما في ذلك المزاد العالمي لبيع أغلى ماسة وردية بالعالم، والتي بيعت بسعر 170 مليون درهم إماراتي وبلغ وزنها 24.78 قيراطاً، وذلك في نوفمبر من عام 2010. وتابع “بينيت” قائلاً: “هذه الأيام هناك ارتفاع متزايد في معدل شراء المجوهرات في منطقة الشرق الأوسط، مما يؤثر على ثمنها وعملية اقتنائها في جميع أنحاء العالم.”

“لطالما كان اللؤلؤ – وسيظل – يتمتع بشعبية كبيرة في منطقة الخليج العربي والعالم أجمع، سواء تم ارتداؤه كقلادة كلاسيكية أو غيرها. ولطالما تم استيراد لآليء الـ “جولكوندا” الرائعة من الهند؛ والتي غالباً ما يتم ارتداؤها في المساء بشكلٍ حصري، وذلك لكَون سطحها متعدد الأوجه بحيث يعكس الضوء بشكلٍ مذهل”، هكذا علّق “بينيت”، ثم أردف قائلاَ بإعجاب لم يستطع إخفاءه: “ولكن المرأة العصرية في منطقة الشرق الأوسط الآن ليست فقط أكثر ثراءً، وإنما أصبحت أيضاً أكثر تطوراً ومتابعةً للموضة العالمية خاصةً فيما يتعلق بالمجوهرات الثمينة. فالمنطقة العربية صارت سريعة الازدهار، وأصبحت النساء تسافرن بشكل موسع إلى وجهات الموضة المختلفة ولا سيما لندن وباريس.” قاطعته “ماسيتي” بلهجتها المُميزة قائلة: “إنها حقاً ظاهرة القرن أن تقوم المرأة الشرقية بتخطي اﻷذواق التقليدية للمجوهرات واعتماد اﻷذواق الأوروبية.”

 وحين سألنا “أميت دهماني”، رئيس تحرير “مجوهرات دهماني” عن كيفية تطور الذوق الإقليمي في المنطقة، أجاب قائلاً: “لقد كانت النساء في الشرق الأوسط يحببن كثيراً الذهب التقليدي والأحجار شبه الكريمة، ومع التطور السريع الذي شهده العالم والانفتاح على الثقافات الجديدة والتصاميم الجريئة التي يجري استحداثها كل حين، كل ذلك أدى إلى وجود طرق مختلفة لعرض الأحجار الثمينة بصورة تجذب العملاء.”

ويرى “جان مارك مانسفيلت”، المدير التنفيذي لدار مجوهرات “شوميه” الفرنسية أنه: “بينما تُعتبر المجوهرات والساعات جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المرأة العربية، إلا أنه مما لا شك فيه أن ذوقها قد تطور نتيجة لأسفارها الكثيرة والتقدم الاجتماعي والثقافي الذي تشهده المنطقة.”

“تطورت اﻷذواق حيث كان الإعجاب بالقطع الصاخبة نسبياً هو السائد في وقتٍ سابق، ولم يكن من الضرورة أن تنتمي القطعة إلى إحدى الماركات العالمية أو أن تكون جيدة الُصنع، أما الآن فالأذواق تتجه إلى المزيد من الأناقة، وعلى الرغم من التغيير الكبير الذي نجده في التصاميم المعاصرة، إلا أن العملاء كثيراً ما يميلون إلى الأغرب والأحدث.” هذا ما قاله “عمر الشاوي”، المدير الإداري لـ “غريزوغونو” – بمنطقة الشرق الأوسط والهند. ويبدو أن “روبرتو كوين” يوافقه الرأي حيث يعتقد أن هناك فجوة ونقص كبيرين في السوق من حيث توافر حسٍ جمالي أكثر تطوراً وأقل مغالاةً. وقد تابع متحدثاً عن شركته الخاصة: ” من الصعب أن تُطور العلامات التجارية من نفسها بحيث تصبح كينونة مختلفة بشكلٍ كلي، فحينما تشتري المرأة قطعة مجوهرات من “كارتييه” أو “شوبارد” فهي تريد أن يتعرف الآخرون على ماركة القطعة التي ترتديها من مجرد شكلها.”

أما “باسكال مُعوض”، وهو شريك بشركات “معوض” للمجوهرات، فقد كرس نفسه للسعي وراء تحقيق التفوق الفني والكمال التقني في عالم المجوهرات. ويقول: “تبحث المرأة العربية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، عن التصميمات المعاصرة الفريدة من نوعها التي تعكس شخصيتها”، ويتابع حديثه مع “موجيه” قائلاً: ” تتطلع المرأة الشرقية كثيراً إلى الذوق المميز والراقي، والأهم من ذلك، فهي تسعى لاقتناء القطع الفريدة من نوعها”. ويضيف باعتزاز: “المرأة العربية تبحث عن الأناقة والرقي، ودائماً ما تتطلع إلى الأفضل لأنها باختصار تحب أن تتمتع بإطلالة تخطف الأبصار.”

ويرى “مانسفيلت” أيضاً أن الذوق السائد في المنطقة العربية واضح ومحدد، ويقول: “تبحث المرأة العربية عن قطع المجوهرات التي تتمتع بالرقي والتميز حيث أنها تعتبر مجوهراتها تعريفاً لطابعها الشخصي ومكانتها بالمجتمع، ولهذا يعتبر رُقي التصميم وتميّزه من العوامل الهامة بالنسبة لها.”

ويعلق “بينيت” موضحاً: “إن وجود سوق ناشئة ومستهلكين بعمر الشباب يجيدون أمور التكنولوجيا والتواصل على شبكة الإنترنت له تأثير كبير على نوعية المجوهرات التي تُباع في المنطقة، فالشباب دون سن العشرين يشكلون نحو %40 من السكان في منطقة الشرق الأوسط؛ وهم يُقدرون الأصالة ولكنهم يرغبون أيضاً في تمييز أنفسهم عن الآخرين.” ثم يضيف بينيت: ” في عمر الشباب عندما لا تكون واثقاً بذوقك بشكلٍ كافٍ فعادةً ما تقوم بشراء ما هو دارج، فعلى سبيل المثال، إذا رأت الفتاة إحدى صديقاتها ترتدي قلادة من “فان كليف & آربيلز”، فإنها حتماً ستود اقتناء قلادة مثلها. ثم عندما تصبح ذات الفتاة أكثر ثقةً في ذوقها، سترغب بالحصول على قطعة مميزة لا يمتلكها الآخرون.”

ويؤكد “معوض” قائلاً: “إن عملاء الشرق الأوسط الذين يقدرون المجوهرات الثمينة هم من أكثر المعجبين ببراعة الصناعة والجمال الاستثنائي الموجود في كلٍ من المجوهرات القديمة والمعاصرة. كما أنهم من أكثر الناس درايةً وإطلاعاً على عالم المجوهرات، حيث أنهم يحبون انتقاء القطع الاستثنائية التي تختلف عما يمتكله أي شخص آخر.”

ويتفق “دهماني” مع “معوض” قائلاً: “لطالما كانت نساء الشرق الأوسط أكثر ثقافةً حول الأحجار الكريمة، إلا أنه في السنوات الأربع أو الخمس الماضية، ومع زيادة التواصل على المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعية، أصبحن أكثر معرفةً بالأحجار الكريمة وتصميمات المجوهرات من كافة أنحاء العالم.”

ويعلق “الشاوي” على هذه النقطة قائلاً: ” لا يتعلق الأمر بالمستوى التعليمي على الإطلاق، فمسألة الذوق والأناقة هنا هي من المواهب الطبيعية لدى النساء. وقد أصبحن اليوم بالتأكيد أفضل إلماماً وأكثر إدراكاً عن أي وقتٍ سابق بفضل شبكة الإنترنت التي أثرت كثيراً على وعي المستهلك. وفي بلدٍ يتمتع بأعلى عدد من المتاجر مقابل عدد الأفراد في العالم – تحديداً 4.7 مليون متراً مربعاً مخصصة لمتاجر التجزئة، وذلك في دبي وأبو ظبي وحدهما – فمن الطبيعي ألا تتصدر الإمارات عمليات الشراء عبر الإنترنت. ولكن على مدار السنوات القليلة الماضية، أصبح هناك تحولاً كبيراً نحو التجارة الإلكترونية بدبي، على الرغم مما اشتهرت به من مراكز التسوق الضخمة والفاخرة، حيث احتلت أعلى نسبة من المتسوقين عبر الإنترنت (46%) في الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها Awok.com.”

ثم تابع “الشاوي” قائلاً: “وقد وجدت دراسة مستقلة أجرتها “نِتوورك إنترناشونال” أن %34 من المقيمين يقومون بإجراء عمليات شراء متكررة عبر الإنترنت – بواقع مرة إلى خمس مرات في الأسبوع. وبينما كان عالم المجوهرات الثمينة على مر التاريخ يُعتبر مقتصراً على الأثرياء فقط، إلا أن موقع مثل Flont قد فتح الأبواب على مصراعيها للجماهير كي تتمكن من الإطلاع على قطع استثنائية من المجوهرات واقتنائها.”

وقد لاحظ  “دهماني” أنه كلما ازدهر الاقتصاد فإنه يجلب انفراجة كبيرة في سوق المجوهرات، حيث بدأ بالفعل ظهور اتجاهات جديدة في مجال الجواهر، خاصةً على مستوى العملاء ذوي الخبرة بالمجوهرات. وقد علق على ذلك قائلاً: ” من بين جميع أنواع الأحجار الكريمة،  يلقى الزمرد خاصةً اهتماماً كبيراً من  المرأة العربية، نظراً لأن اللون الأخضر يحمل معنى مهماً في ثقافة المنطقة حيث يعتبر اللون التقليدي للإسلام، فالأخضر يمثل الخصوبة والحظ والثروة.”

أما “مانسفيلت” فقد كشف لـ”موجيه” أن مجموعة Pastorale Anglaise لدار “شوميه” والتي تتميز بطابعها اﻻسكتلندي قد لاقت نجاحاً مذهلاً  بين عشاق المجوهرات الثمينة. وقد قال عنها: “لقد تم إدخال الزمرد الرائع الذي تم استخراجه من مناجم “موزو” في كولومبيا في تصميم هذه المجموعة، وتتمتع تلك الفصوص الخضراء الاستثنائية بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط.” كما يعترف “مانسفيلت” أيضا بأن العديد من الطلبيات الخاصة التي تلقتها العلامة التجارية كانت من قِبل بعض العائلات المحلية البارزة.

أما دار “فان كليف & آربيلز” فلطالما كان مولعة بالزمرد، وفي نوفمبر عام 1966 تلقت الدار طلباً من الحكومة الإيرانية من أجل ابتكار عدة أطقم من المجوهرات الثمينة للامبراطورة السابقة “فرح بهلوي”. وقد أشارت “ماسيتي” إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالمجوهرات، فإن الشرق الأوسط يعيدنا  بالفعل إلى الفترات التاريخية الأكثر بذخاً. وأضافت: “لقد افتتن هذا الجيل بالعالم القديم، فالمرأة العربية الآن بدأت تقدر مجوهرات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، بدلاً من الأحجار الكريمة الفخمة الملونة والبراقة. ويبدو أن الرخاء والسفر قد قاما بإحياء الثقافة القديمة وطابع البذخ الذي كانت تتمتع به العصور القديمة.”

ويوافق “مانسفيلت” على الفكرة الأخيرة قائلاً: ” لقد شهدنا في السنوات الأخيرة زيادة في الطلب على القطع التاريخية، مما جعل المرء يتساءل ما إذا كانت المرأة الشرقية تحاول الحصول على قطع نفيسة من المجوهرات ربما كان يصعب الحصول عليها  قديماً، أم أن الشرق الأوسط يشتاق إلى الترف القديم على الرغم من كونه يمر بمرحلة يهيمن عليها طموحٌ جريء ورؤية مستقبلية عملاقة؟ أياً كان السبب، فهذه اﻷذواق المكتسبة حديثاً في عالم المجوهرات يتم عادةً توجيهها – بل وأحياناً إطلاقها – من قبل خبراء المجوهرات  في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أنها فقط مسألة وقت قبل أن يتصدر الشرق الأوسط صناعة المجوهرات ويصبح رائداً في تطوير اتجاهات جديدة في هذه الصناعة.”